السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
أنظر في صحائف أيامك التي
خلت؛ ماذا ادخرت فيها لآخرتك ؟
وإن غياب محاسبة النفس نذير غرق
العبد في هواه، وما أردى الكفار في لجج
العمى إلا ظنهم أنهم يمرحون
كما يشتهون بلا رقيب، ويفرحون بما يهوون بلا
حسيب، قال سبحانه عنهم:
إِنَّهُم كَانُواْ لا يَرجُونَ حِسَاباً
[النبأ:27].
والاطلاع
على عيب النفس ونقائصها ومثالبها يلجمها عن الغي والضلال، ومعرفة
العبد نفسه وأن مآله إلى القبر يورثه تذللاً وعبودية لله، فلا يُعجب
بعمله
مهما عظم، ولا يحتقر ذنباً مهما صغر، يقول أبو الدرداء رضي الله
عنه:
( لا يتفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى
نفسه
فيكون لها أشد مقتاً )
وإذا جالست الناس فكن واعظاً لقلبك،
فالخلق يراقبون ظاهرك، والله يراقب
باطنك، ومن صحح باطنه في المراقبة
والإخلاص
وتفقد عيوب النفس يزكيها ويطهرها، قال سبحانه: قَد
أَفلَحَ مَن
زَكَّاهَا (9) وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)
[الشمس:10،9]، يقول مالك
بن دينار: ( رحم الله عبداً قال لنفسه: ألست
صاحبة كذا؟! ألست صاحبة كذا؟!
ثم زمَّها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب
ربها، فكان لها قائداً ) [انظر
إحياء علوم الدين:4/405، وإغاثة
اللهفان:1/79].
وإن أصرَّ المكلف غلى إهمال النفس .. وترك
محاسبتها والاسترسال خلف
شهواتها حتى تهلك، وهذا حال أهل الغرور الذين
يغمضون عيونهم عن المعاصي
ويتكلون على العفو، وإذا فعلوا ذلك سهُلت
عليهم مواقعة الذنوب والأنس بها
والله يقول
: يَأَيُّهَا
الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ [الانفطار:6]،
يقول
الحسن البصري رحمه الله: ( لا يليق بالمؤمن إلا أن يعاتب نفسه
فيقول لها: ماذا أردت بكلمتي ؟ ماذا أردت بأكلتي ؟ وأما الفاجر فيمضي
قدماً
لا يعاقب نفسه ) [أخرجه أحمد في الزهد:281
والمؤمن قوام على نفسه
يحاسبها، قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ
إِذَا مَسَّهُم
طَائِفٌ مِّنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم
مُّبصِرُونَ
[الأعراف:201] وإنما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم في
الدنيا، وشق
الحساب على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، فتوق الوقوع
في الزلة،
فترك الذنب أيسر من طلب التوبة، وأنبها على التقصير في الطاعات،
فالأيام لا تدوم، ولا تعلم متى تكون عن الدنيا راحلاً، وخاطب نفسك: ماذا
قدمت
في عام أدبر ؟ وماذا أعددت لعام أقبل ؟ يقول الفاروق رضي الله عنه:
( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا ) [أخرجه ابن
المبارك
وعاهد نفسك على المحافظة على الصلوات الخمس في المساجد جماعة
مع
المسلمين، والتزود من العلم النافع والسعي في نشره وتعليمه، وحفظ
اللسان
عن المحرمات من الكذب والغيبة والبذاءة والفحش،
وعليك
بالورع في المطاعم والمشارب، واجتناب ما لا يحل، واحرص على بر
الوالدين
وصلة الأرحام، وبذل المعروف للقريب والبعيد، وتطهير القلب من
الحسد
والعداوة والبغضاء، واحذر الوقيعة في أعراض المسلمين،
واجتهد
بالقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأداء حقوق
الأولاد
والزوجة على الوجه الأكمل، وغض البصر عن النظر إلى المحرمات في
الطرقات
أو الفضائيات، وما أجمل أن يكون هذا العام انطلاقة تغير في
المجتمعات،
ومحافظة النساء على حجابهن، والتزامهن بالستر والحياء،
إمتثالاً لأمر
الله واتباعاً لسنة رسول الله واقتفاء بسير الصحابيات
والصالحات.
فالليل
والنهار يباعدان من الدنيا ويقربان إلى الآخرة، فطوبى لعبد انتفع
بعمره،
فاستقبل عامه بمحاسبة نفسه على ما مضى، فكل يوم تغرب فيه شمسه
ينذرك
بنقصان عمرك
السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته